منطقة عامود السوارى الاثرية
كان هذا الموقع يحوي قديمًا أقدم وأهم معابد الإسكندريّة والذي كان مقامًا على أعلى هضبة في المدينة، ويذكر الرحالة القدماء بأنه كان يوجد مائة درج للصعود إلى هذا المعبد فأعطى هذا العلو مكانة للمعبد فوق مكانته الدينيّة حيث خُصص هذا المعبد منذ إقامته في العصر البطلمي في عهد بطلميوس الثالث للعبادة الجديدة لمدينة الإسكندريّة وهي " الثالوث المقدس " سيرابيس وإيزيس وحربوقراط " حيث كان المعبود سيرابيس هو المعبود الرسمي لمدينة الإسكندرية والذي الذي كان مزيجًا من المعبود المصري أوزير- حابي والمعبود اليوناني زيوس ونُحتت له التماثيل في هيئتين هيئة حيوانيّة كما عهدها المصريون وهي هيئة العجل أبيس وهيئة بشريّة كما عهدها اليونانيون لرجل وقور ذو لحية يرتدي زي يوناني الطراز، وكان المركز الرئيسي لتلك العبادة الجديدة بهذا المعبد، الذي بني على الطراز اليوناني وكان مستطيل الشكل مدخله الرئيسي من الناحية الشرقيّة، بالإضافة إلى العديد من المداخل الأخرى التي كانت تُزين بأعمدة كبيرة من الجوانب الأربعة، ولم يُعثر على بقايا هذا المعبد وحُرق في عهد الإمبراطور تراجان، وعلى أطلال المعبد القديم شيد الإمبراطور هادريان معبدًا آخر أكبر حجمًا، وبعد الاعتراف الرسمي بالمسيحية عام 391 م، هدم المعبد وفيما بعد أقيم على أنقاضه كنيسة تحمل اسم القديس (يوحنا المعمدان) وقد ظلت هذه الكنيسة تؤدي وظيفتها حتى القرن العاشر الميلادي.
وأهم ما بقي من معالم بهذا الموقع هو عمود يبلغ طوله 27 م مصنوع من الجرانيت الوردي من قطعة واحدة ويتكون من تاج على الطراز الكورنثي، وبدن وقاعدة وُضعت على أساسات من الأحجار الصلبة المتعددة كالجرانيت والبازلت والكوارتز المنقولة من أماكن عدة وعليها بعض النقوش الهيروغليفيّة، وقد أطلق على هذا العمود ثلاث أسماء وهي عمود بومبي وذلك نسبة للقائد الروماني بومبي حيث كان يُعتقد خطأً أنّ رماد جثته وضع في إناء جنائزي فوق تاج العامود، والاسم الثامي هو عمود السواري وقد سُمي بهذا الاسم في العصر الإسلامي نسبة لصواري السفن، وهذا نتيجة لارتفاعه الشاهق، أما الاسم الثالث فهو عمود دقلديانوس وهو الاسم الأصح لهذا العمود حيث شيده سكان الإسكندريّة للإمبراطور دقلديانوس تعبيرًا عن شكرهم له لإخماده لإحدى الثورات التي قامت بمدينة الإسكندريّة وتوزيعه لجزية القمح على أهالي المدينة.
كما أنّ الموقع لازال يحوي بعض من بقايا المعبد القديم مثل ممرات المعبد السريّة وهي أقدم أجزاء المعبد في عصره البطلمي، والتي لازال العلماء حائرون في الغرض منها حتى الآن، إلا أنّه ولسنوات أطلق عليها خطأً اسم المكتبة الصغرى (المكتبة الابنة) للتفريق بينها وبين المكتبة الكبرى القديمة والتي تقع تقريبًا في نفس موقع مكتبة الإسكندريّة الحالية؛ ومن ثم اعتقد الباحثون أنّ الفجوات الموجودة داخل تلك الممرات كان يوضع بها لفائف البردي الخاصة بالمكتبة، ولكن ما تم العثور عليه داخل تلك الفجوات كان بقايا عظام حيوانات وبقايا بعض التماثيل الصغيرة واللوحات النذرية والمصابيح وعدد من الصناديق الصغيرة المصنوعة من الحجر الجيري؛ لذا فربما كانت تلك الممرات تقام بها طقوس خاصة بالمعبد ويُحنط بها الحيوانات المُقدسة.
ولا يزال باقيًا كذلك من عناصر المعبد القديم قدس الأقداس والذي كان عبارة عن ممر منحوت في الصخر الطبيعيّ ، وقدس الأقداس هو المكان الأكثر قداسة بالمعبد والذي كان يحظى بسريّة شديدة ولا يُسمح للعامة بدخوله، وفي قدس أقداس معبد السيرابيوم كانت تقام الطقوس على تمثال العجل أبيس، حيث عُثر على ذلك التمثال عام 1895 وهو على هيئة عجل بين قرنيه قرص الشمس يتوسطه حية الصل وهو مصنوع من حجر الديورايت الأسود، وتدل النقوش التي كانت علي العمود الذي يسند جسم التمثال على أن هذا التمثال قد أقيم في عهد الإمبراطور الرومانيّ هادريان (117 - 138)، وقد اكتشف العالم آلن رو ودائع أساس الوعبد البطلمي في عام 1934-1933 وهي مكونة من 10 ألواح اثنان من الذهب وواحدة من الفضة وواحدة من البرونز وواحدة من طمي النيل وخمسة ألواح من عجائن زجاجية.
ومن ضمن عناصر المعبد الأخرى التي لا تزال باقية مقياس النيل، وليس بغريب وجود مقياس للنيل من العصر البطلمي في هذا المكان فالمياه العذبة كانت تصل للإسكندريّة عن طريق قناة كبيرة تتفرع من النيل عند شيديا وتتخذ مجري يشبه كثيرا مجري ترعة المحمودية حاليًا، هذا بالإضافة إلى أنّ أحد خصائص المعبود سيرابيس ارتباطه بنهر النيل وفيضانه ،وكان من المعتاد خلال العصر الفرعوني وجود مقياس للنيل ملحق بالمعابد واستمرت تلك العادة خلال العصر البطلمي، ويتكون المقياس الموجود بالموقع من عدد من درجات السلم التي تمر خلال بوابة مقوسة تقود إلى ساحة مستطيلة الشكل، ربما كانت تصل إليها مياه نهر النيل، وعلى أحد جانبي السلم التي لم تعد موجودة حاليا كان يوجد تدرج على الحائط في عدة شرط يقاس منها منسوب ارتفاع مياه نهر النيل.
ويمتاز موقع السيرابيوم "عمود السواري" الأثريّ بمتحفه المفتوح الذي يتميز بتنوع معروضاته عبر العصور المصريّة القديمة؛ لتُمثل انعكاسًا لما تم العثور عليه بالفعل أثناء الحفائر التي تمت بالموقع، فقد عُثر على بعض القطع الفرعونية التي تم نقلها من مدينة هليوبوليس في العصر الروماني ليتزين بها المعبد، وبين ما هو يوناني وروماني وبيزنطي، ومن أهم تلك القطع تمثالا أبي الهول عُثر عليهما بالموقع ويُؤرخان بالعصر البطلمي، وقد نُحتا على الطراز الفرعوني، حيث كان من المعتاد تزيين المعابد في العصر البطلمي وبشكل أكثر انتشارًا في العصر الروماني بالتماثيل الفرعونيّة أو تلك ذات الطراز الفرعوني.